الثورة العلمية Scientific Revolution :
الثورة العلمية اسم أطلقه المؤرخون المعاصرون. تقريباً، على الفترة التي بدأها نيقولاوس كوبرنيكوس (1473-1543) Nicolaus Copernicus بتطوير نظام مركزية الشمس للكون، ونهايةً بنظرية الجاذبية لإسحق نيوتن (1643-1727) Isaac Newton. خلال هذه الفترة كانت الأرض قد نزعت من عقول العلماء كمركز للكون وأصبحت تبدو مجرد أحد الكواكب. فبانتصار الطرائق التجريبية والرياضية في ميادين العلوم الفيزيائية، تم اختراع فيزياء جديدة استطاعت استيعاب واحتواء الأرض والكون العلوي.
ففي بدايات عصر النهضة Renaissance اهتم الباحثون والدارسون بالدرجة الأولى بترجمة وفهم النصوص اليونانية القديمة. فأخذوا يبحثون ويفتشون بغية إعادة بناء وتنظيم المعرفة التي كانوا يعتقدون بأن اليونانيين القدامى قد امتلكوها ولكنها فقدت. فقد استخدم كوبرنيكوس وهو قس بولندي بعض النصوص المبهمة التي تشير إلى أن الإغريق كانوا يعتقدون أن الشمس هي مركز الكون. وأن كل الكواكب بما فيهم الأرض تدور حولها. والكتاب الذي أشار به كوبرنيكوس إلى هذه النظرية كان "في دورانات الكرات السماوية"، والذي نسج على منوال تركيب وبنية كتاب المجسطي Almagest لبطلميوس Ptolemy وهو كتاب قدمه بطلميوس في القرن الثاني الميلادي، يحتوي على الكثير من النصوص القديمة التي تشير إلى أن الأرض هي مركز الكون. وبمعزل عن نظرية كوبرنيكوس التي تشير إلى دوران الأرض حول الشمس، فقد كان كوبرنيكوس من الشكل المحافظ يعتقد بأن الحركة الكوكبية من الممكن تفسيرها كما فسرها اليونانيون القدامى من تراكب معقد من الحركات الدائرية.
وفي السنوات التالية أخذت تجري نقاشات هامة حول طبيعة الكون. لقد حفز مثل هذه النقاشات بعض الظواهر الفلكية كانفجار النوفا nova (النجم الجديد) عام 1572 والمذنب العظيم الذي ظهر عام 1577. لقد وفرت هذه الظواهر الدليل ضد أفكار المذهب الأرسطووي Aristotelian الذي يقر بتناسق السماء وخلوها من الأخطاء. ولتؤكد بأن مثل هذه الحوادث السماوية كانت قد تحدث. فقد قام النبيل الدنمركي تيخو براهة (1546-1601) بإجراء أول قياسات منظمة منذ العصور القديمة لمواضع النجوم والكواكب. واقترح براهة أيضاً نظرية للكون، فهو لم يقبل نظرية كوبرنيكوس كلها فقد اعتمد حلاً وسطاً فقد دمج بين نظام كوبرنيكوس ونظام بطلميوس. ففي نظام براهة بقيت الأرض ثابتة في مركز الكون والكواكب الخمسة المعروفة تدور حول الشمس، حيث هذه الشمس وهذه الكواكب تدور حول الأرض كل سنة، وتدور كرة النجوم حول الأرض دورة واحدة كل يوم. إلى أن التوفيق بين نظام مركزية الأرض Geocentric System ونظام مركزية الشمس Heliocentric Systems لم يحظى بدعم كبير.
وباستخدام بيانات وقياسات براهة استطاع جوهانس كبلر (1571-1630) Johannes Kepler أن يوضح بأن مدارات الكواكب قطوع ناقصة كما أنه كان قادراً لإيجاد العلاقة بين بعد الكوكب عن الشمس وسرعته. لم يستغني كبلر عن نظرية مركزية الأرض وحسب، فبأفكاره أيضاً التي تتعلق بالحركة الكوكبية تم الحد من ضم الحركات الدائرية التي كانت تستخدم لتفسير حركة الكواكب. تقريباً، وبنفس الوقت استخدم الفلكي الإيطالي غاليليو غاليلي (1564-1642) Galileo Galilei التلسكوب لدراسة السماء، استطاع توفير دليل رصدي راسخ عن نظام مركزية الشمس. كما أنه طور نظرية في الميكانيك كانت مضادة بكل معنى الكلمة للأفكار الأرسطووية. لقد أجبرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية غاليليو على التخلي عن عقيدة مركزية الشمس كنظرية فيزيائية. إن الصراع بين تعاليم الكنيسة و النظرية العلمية كان أحد المظاهر التي أدت إلى الإرباك والتشويش، أثر ذلك بجميع المثقفين الأوروبيين، عندما خسرت الأرض مكانتها المقدسة في مركز الكون.
وعند نهاية القرن السابع عشر ظهر الكثير من الأعمال العلمية المتقدمة والتي كان من أبرزها أعمال أسحق نيوتن Isaac Newton في إنكلترا. فسر نيوتن قوانين كبلر في الحركة الكوكبية والكثير من الظواهر الفلكية بواسطة قانونه في الجاذبية. وهكذا وفر نيوتن وبشكل نهائي تفسيراً فيزيائياً ناجحاً لحركة الكواكب. وبمكانيك نيوتن الذي كان بالإمكان تطبيقه على جميع الجزيئات المادية في الكون، أنهى بذلك الاختلاف الأرسطووي بين الظواهر الأرضية والسماوية.
يدرك الكثير من المفكرين أن الثورة العلمية مازالت في طور الإنجاز -مصطلح "الثورة العلمية Scientific Revolution" لم يظهر إلا في وقت متأخر- فمن الخطأ الاعتقاد بأن بناء العلم قد تم إنجازه بشكل تام.